فصل: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن زنجلة:

2- سورة البقرة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

.{ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}:

قرأ ابن كثير فيهي وعليهي بإشباع الهاء يصلها بياء وحجته أن أصلها فيهو وعليهو ثم قلبوا الواو ياء للياء التي قبلها وكسروا الهاء فصارت فيهي وعليهي وقرأ ايضا فقلنا اضربوهو ومنهو بإشباع الهاء يصلها بواو على أصلها.
قرأ الباقون فيه وعليه من غير إشباع وحجتهم أن الكسرة تنوب عن الياء وتدل عليها وكذلك الضمة قال أهل البصرة إنما حذفت الياء لسكونها وسكون الياء التي قبل الهاء لأن الهاء ليست بحاجز حصين فكأن الساكن قبلها ملاق للساكن الذي بعدها فتحذف الياء ألا ترى أنها إذا تحرك ما قبلها لم تحذف منها الياء نحو أمه وصاحبته لأن ما قبلها متحرك فليس يجتمع ساكنان.
قرأ أبو عمرو فيه هدى وقيل لهم بالإدغام وقرأ الباقون بالإظهار.
وحجة أبي عمرو أن إظهار الكلمتين كإعادة الحديث مرتين فأسكن الحرف الأول وأدغمه في الثاني ليعمل اللسان مرة واحدة وشبه الخليل ذلك بالمقيد إذا رفع رجله في موضع ثم أعادها إليه ثانية قال والذي أوجب الإدغام هو أنه يثقل على اللسان رفعه من مكان وإعادته في ذلك المكان أو فيما يقرب منها وشبه غيره بإعادة الحديث مرتين.
وأما من أظهر فإنه أتى بالكلام على أصله وأدى لكل حرف حقه من إعرابه لتكثر حسناته إذ كان له بكل حرف عشر حسنات.

.{الذين يؤمنون بالغيب}:

قرأ أبو عمرو وورش عن نافع يومنون بغير همز وكذلك يأكلون ويومرون وحجتهما في ذلك ثقل الهمز وبعد مخرجها وما فيها من المشقة فطلب من تخفيفها ما لم يطلب من تخفيف ما سواها ولهذا قيل النطق بها كالتهوع.
وورش يترك أيضا الهمزة المتحركة مثل لا يواخذكم ولا يوده وأبو عمرو يهمز.
وحجته أن الهمزة الساكنة أثقل من المتحركة وذلك أن تخرج الهمزة الساكنة من الصدر ولا تخرج إلا مع حبس النفس والهمزة المتحركة تعينها حركتها وتعين المتكلم بها على خروجها فلذلك همز أبو عمرو المتحركة وترك الساكنة وترك أيضا ورش ما كان سكونها علامة للجزم نحو إن نشأ وتسؤهم وهمز أبو عمرو وحجته في ذلك أن الكلمة قد سقط منها حرف قبل الهمزة لسكونها وسكون الهمزة وهو الألف من نشاء والواو من تسوؤهم وسقطت حركة الهمزة للجزم فلو أسقط منها الهمزة لكان قد أسقط من الكلمة ثلاثة اشياء الهمزة وحركتها والألف فيخل بالكلمة.

.{والذين يؤمنون بما أنزل إليك وعلى أبصارهم غشاوة}:

قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بما أنزل إليك وعلى أبصارهم لا يمدون حرفا لحرف وهو أن تكون المدة من كلمة والهمزة من أخرى وحجتهم في ذلك أنهم أرادوا الفرق بين ما المدة فيه لازمة لا تزول بحال وبين ما هي فيه عارضة قد تزول في بعض الأحوال نحو بما أنزل إليك فإنها تزول عند الوقف والتي لا تزول نحو دعاء ونداء وبناء وسماء فجعلوا ذلك فرقا بينهما.
وقرأ ابن عامر والكسائي مدا وسطا ومد حمزة وعاصم مدا مفرطا وحجتهم في ذلك أن المد إنما وجب عند استقبال الهمزة سواء كانت الهمزة من نفس الكلمة أو من الأخرى إذا التقتا لأنه لا فرق في اللفظ بينهما.

.{سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}:

قرأ نافع وأبو عمرو آنذرتهم آنت يهمزان ثم يمدان بعد الهمزة وتقدير هذا أن تدخل بين ألف الإستفهام وبين الهمزة التي بعدها ألفا ليبعد المثل عن المثل ويزول الإجتماع فيخف اللفظ والأصل أأنذرتهم ثم تلين الهمزة في أنذرتهم.
وحجتهما في ذلك أن العرب تستثقل الهمزة الواحدة فتخففها في أخف أحوالها وهي ساكنة نحو كاس فإذا كانت تخفف وهي وحدها فإن تخفف ومعها مثلها أولى.
وقرأ ابن كثير أنذرتهم بهمزة واحدة غير مطولة ومذهبه أن يحقق الأولى ويخفف الثانية وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة أأنذرتهم أأنت بهمزتين وحجتهم في ذلك أن الهمزة حرف من حروف المعجم كغيره من سائر الحروف صحا بالجمع بينهما نحو ما يجتمع في الكلمة حرفان مثلان فيؤتى بكل واحد منهما صحيحا على جهته من غير تغيير كقوله أتمدونن بمال ولعلكم تتفكرون ونظائر ذلك فلا يستثقل اجتماعهما بل يؤتى بكل واحد منهما فجعل الهمزتين كغيرها من سائر الحروف.
قرأ أبو عمرو والكسائي وورش على ابصارهم وقنطار ودينار بإمالة الألف وحجتهم في ذلك أن انتقال اللسان من الألف إلى الكسرة بمنزلة النازل من علو إلى هبوط فقربوا الألف فإمالتهم إياها من الكسر ليكون عمل اللسان من جهة واحدة وقرأ الباقون أبصارهم بغير إمالة وحجتهم في ذلك أن باب الألف هو الفتح دون غيره وأن ما قبل الألف لا يكون أبدا إلا مفتوحا لأنه تابع لها فتركوها على بابها من غير تغيير وما يخدعون إلا أنفسهم.
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وما يخدعون إلا أنفسهم بالألف واحتج أبو عمرو بأن قال إن الرجل يخادع نفسه ولا يخدعها قال الأصمعي ليس أحد يخدع نفسه إنما يخادعها.
وقرأ أهل الشام والكوفة وما يخدعون بغير ألف وحجتهم في ذلك أن الله أخبر عن هؤلاء المنافقين أنهم يخادعون الله والذين آمنوا بقولهم آمنا بالله وباليوم الآخر فأثبت لهم مخادعتهم الله والمؤمنين ثم يخبر عنهم عقيب ذلك أنهم لا يخادعونه ولا يخادعون إلا أنفسهم فيكون قد نفى عنهم في آخر الكلام ما أثبته لهم في أوله ولكنه أخبر أن المخادعة من فعلهم ثم إن الخدع إنما يحيق بهم خاصة دونه.

.{في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}:

قرأ حمزة فزادهم الله بالإمالة وكذلك جاء وشاء وخاب وحاق وخاف وطاب وضاق وزاع ودخل ابن عامر معه في جاء وشاء وفزادهم الله وحجتهما في ذلك أن فاء الفعل منها مكسورة إذا ردها المتكلم إلى نفسه نحو زدت وجئت وطبت ولهذا قرأ حمزة فلما زاغوا بالإمالة أزاع الله بالفتح لأن فاء الفعل مفتوحة تقول أزغت وكذلك فأجاءها المخاض بغير إمالة لأنك تقول أجأت وقرأ الباقون جميع ذلك بغير إمالة على أصل الكلمة وحجتهم في ذلك أن أصل كل فعل إذا كان ثلاثيا أن يكون أوله مفتوحا.
قرأ عاصم وحمزة والكسائي بما كانوا يكذبون بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد من كذب يكذب تكذيبا أي إنهم يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن وحجتهم ما روي عن ابن عباس قال إنما عوتبوا على التكذيب لا على الكذب وفي التنزيل ما يدل على التثقيل ولقد كذبت رسل من قبلك.
وحجة أخرى أن وصفهم بالتكذيب أبلغ في الذم من وصفهم بالكذب لأن كل مكذب كاذب وليس كل كاذب مكذبا.
وحجة التخفيف أن ذلك أشبه ما قبل الكلمة وما بعدها فالذي قبلها مما يدل على الكذب ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وقال الله ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون وما بعدها قوله: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم} فقوله: {وإذا خلوا إلى شياطينهم} دلالة على كذبهم فيما ادعوه من إيمانهم وإذا كان أشبه بما قبله وما بعده فهو أولى.

.{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض}:

قرأ الكسائي وإذا قيل لهم بالإشمام وكذلك يفعل في غيض الماء وسيء وحيل وجيء وسيق وابن عامر دخل معه في حيل وشيء وسيق ونافع دخل معهما في سيء.
وقرأ الباقون جميع ذلك بالكسر وحجتهم في ذلك أن الأصل في ذلك قول وحول وسوئ وسوق وغيض وجيئ فاستثقلت الضمة على فاء الفعل وبعدها واو مكسورة وياء مكسورة فنقلت الكسرة منهما إلى فاء الفعل وقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فقيل في ذلك قيل وحيل وأخواتها.
وحجة الكسائي في ذلك أنه لما كان الأصل في كل ذلك فعل بضم الفاء التي يدل ضمها على ترك تسمية الفاعل أشار في أوائلهن إلى الضم لتبقى بذلك دلالة على معنى ما لم يسم فاعله وأن القاف كانت مضمومة.

.باب الهمزتين:

باب الهمزتين تلتقيان من كلمتين وهما مختلفتا الإعراب وهما على ستة أوجه وجه منها لم يجئ في القرآن وهي الهمزة المكسورة التي بعدها همزة مضمومة كقولك هؤلاء أمراء وباقيها موجودة في القرآن:
1- فأول ذلك المضمومة التي بعدها المفتوحة كقوله السفهاء ألا تهمز الأولى وتخفف الثانية وتنحو بها نحو الألف.
2- وبعد ذلك المضمومة التي بعدها مكسورة كقوله ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا تهمز الأولى وتنحو بالثانية نحو الياء من غير أن تكسرها.
3- والثالثة المفتوحة التي بعدها مكسورة نحو قوله: {أم كنتم شهداء إذ حضر}.
4- والرابعة المفتوحة التي بعدها مضمومة كقوله جاء أمة رسولها تهمز الأولى وتنحو بالثانية نحو الواو من غير ضم.
5- والخامسة المكسورة التي بعدها مفتوحة نحو قوله: {أأمنتم من في السماء أن يخسف} تهمز الأولى وتنحو بالثانية نحو الألف فهذا مذهب نافع وابن كثير وأبي عمرو.
وحجتهم أن العرب تستثقل الهمزة الواحدة فتخففها في أخف أحوالها وهي ساكنة نحو كاس فتقلب الهمزة ألفا فإذا كانت تخفف وهي وحدها فأن تخفف ومعها مثلها أولى.
وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة بهمزتين في جميع ذلك أرادوا التحقيق وتوفية كل حرف حقه من حركته ونصيبه من الإعراب إذ كانت الهمزة حرفا من حروف المعجم يلزمها من الحركة ما يلزم سائر الحروف فجاءوا بكل همزة من المجتمعتين على هيأتها إرادة التبيين والنطق بكل حرف من كتاب الله على جهته من غير إبدال ولا تغيير فإذا التقتا متفقتي الإعراب وذلك أن تكونا مكسورتين كقوله هؤلاء إن كنتم أو تكونا مفتوحتين كقوله جاء أمرنا أو تكونا مضمومتين كقوله أولياء أولئك فقرأ ابن عامر وأهل الكوفة جميع ذلك بهمزتين وقد مر الكلام فيه.
وورش عن نافع والقواس عن ابن كثير يهمزان الأولى ويلينان الثانية ويشيران بالكسر إليها وفي المتفوحتين يشيران بالفتح إليها وفي المضمومتين يشيران بالضم إليها وأما نافع والبزي عن ابن كثير فيلينان الأولى شبه الياء ويهمزان الثانية وفي المضمومتين شبه الواو وهذا باب تحكمه المشافهة لا الكتابة وفي المفتوحتين يحذفون الأولى بلا عوض.
وقرأ أبو عمرو جميع ذلك بهمزة واحدة حذف إحداهما واكتفى بالأخرى عنها وها هنا خلاف آلمحذوفة هي الأولى أم الثانية.
فمن حجة من يقول الثانية أنها هي التي جلبت معظم الثقل فكان الحذف فيها أوجب لأن الأولى لو انفردت لما وجب حذفها ولما جاز وحجة من يقول الأولى هي المحذوفة هي أن الأولى وقعت في الكلمة آخرا والثانية وقعت في كلمتها أولا والأواخر أحق بالإعلال من الأوائل ألا ترى أن هذه الهمزة إذا وقف الإنسان على جاء وعلى هؤلاء فإنها تسقط عند الوقف فالأولى إذا أحق بالإسقاط من الثانية.

.{وهو بكل شيء عليم}:

وقرأ أبوعمرو ونافع في رواية إسماعيل وقالون والكسائي وهو بكل لهو فهي ساكنة الياء.
وحجتهم أن الفاء مع هي وهو قد جعلت الكلمة بمنزلة فخذ وفخذ فاستثقلوا الكسرة والضمة فحذفوها للتخفيف.
وقرأ الباقون فهو فهي بالتثقيل على أصل الكلمة وذلك أن الهاء كانت متحركة قبل دخول هذه الحروف عليها فلما دخلت هذه الحروف لم تتغير عما كانت عليه من قبل.

.{قال إني أعلم ما لا تعلمون}:

قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو إني أعلم بفتح الياء وقرأ الباقون بإسكان الياء فأما من فتح الياء فعلى أصل الكلمة وذلك أن الياء اسم المتكلم والاسم لا يخلو من أن يكون مضمرا أو مظهرا فإذا كان ظاهرا أعرب وإذا كان مضمرا بني على حركة كالكاف في ضربتك والتاء في قمت وكذلك الياء وجب أن تكون مبنية على حركة لأنها علامة إضمار وهي خلف من المعربة والدليل على ذلك قوله: {وما أدراك ماهيه حسابيه} لأن الهاء إنما أتي بها للسكت لتبين بها حركة ما قبلها وأما من سكن الياء فإنه عدل بها عن أصلها استثقالا للحركة عليها لأن الياء حرف ثقيل فإذا حرك ازداد ثقلا إلى ثقله.
وفي ياء الإضافة أربع لغات فتح الياء على أصل الكلمة وإسكانها تخفيفا وإثبات الهاء بعد الياء والحذف تقول هذا غلامي قد جاء وغلامي وغلاميه وغلام.

.{فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه}:

قرأ حمزة فأزالهما الشيطان عنها بالألف أي نحاهما عن الحال التي كانا عليها من قول القائل أزال فلان فلانا عن موضعه إذا نحاه عنه وزال هو وحجته قوله: {يا آدم اسكن أنت زوجك الجنة} أي اثبتا فثبتا فأزالهما الشيطان فقابل الثبات بالزوال الذي هو خلافه ومما يقوي قراءته قوله: {فأخرجهما مما كانا فيه} فإخراجهما في المعنى قريب من إزالتهما.
وقرأ الباقون فأزلهما من زللت وأزلني غيري أي أوقعهما في الزلل وهو أن يزل الإنسان عن الصواب إلى الخطأ والزلة وحجتهم قوله: {إنما استزلهم الشيطان} ونسب الفعل إلى الشيطان لأنهما زلا بإغواء الشيطان إياهما فصار كأنه أزلهما.

.{فتلقى آدم من ربه كلمت}:

قرأ ابن كثير فتلقى آدم نصب كلمات رفع جعل الفعل للكلمات لأنها تلقت آدم عليه السلام وحجته أن العرب تقول تلقيت زيدا وتلقاني زيد والمعنى واحد لأن من لقيته فقد لقيك وما نالك فقد نلته.
وقرأ الباقون فتلقى آدم من ربه كلمات آدم رفع بفعله لأنه تلقى من ربه الكلمات أي أخذها منه وحفظها وفهمها والعرب تقول تلقيت هذا من فلان المعنى إن فهمي قبلها منه وحجتهم ما روي في التفسير في تأويل قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} أي قبلها فإذا كان آدم القابل فالكلمات مقبولة.